( وإنك لعلى خلق عظيم )
الحمد لله معلم البشرية، والصلاة والسلام على من أثنى عليه ربه بقوله وإنك لعلى خلق عظيم .
أتحدث في هذه المقالة عن نوع من أنواع القيادة، بل أعتبره أساس القيادة وهو القيادة الأخلاقية، كيف لا ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فهو معلم البشرية الأول، وهو من زكاه الله من فوق سبع سماوات، وهو قدوتنا عليه أفضل الصلاة والسلام .
دعوني أرجع بكم قليلا إلى الوراء، إلى أول يوم نزل جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم وهو بالغار، لما رآه النبي صلى الله عليه وسلم نزل إلى أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها خائفاً وجلاً يقول زملوني دثروني، فأتت خديجة رضي الله عنها هذه المرأة الحنونة العاقلة الكاملة بل القيادية بتصرفها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تهدّيه وتطمئنه، فماذا قالت رضي الله عنها ؟!
قالت له: ( أبشر .. فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرئ الضيف وتعين على نوائب الحق ) .
انظر بداءة أنها ذكرت أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يتعامل مع من حوله حتى بدأوا يصفونه بهذه الاخلاق .
نعم أيها القارئ المبارك .. إن الأخلاق تقود الأمم، فحريٌّ بنا أن نقتدي برسولنا عليه الصلاة والسلام في ذلك، ولهذه القيادة الأخلاقية مبادئ لابد أن تعيها وتفهما وتعمل بها كي تكون قائداً ذا خلق.
وأول تلك المبادئ (احترام الآخرين)
اجعل دائما معاملتك مع الاخرين غاية وليس وسيلة، واحترم قيم وقرارات الآخرين حتى يكونوا بجانبك، احترم أهدافهم الشخصية، وكن مراعيا للفروقات في ذلك، فاذا كسبتهم بذلك حتما سوف تصل أنت وهم إلى تحقيق الهدف الذي تريده وإلى القيم التي تريد أن تكسبهم إياها.
المبدأ الثاني ( خدمة الآخرين )
أيها القائد .. أنت وُضعت في هذا المكان لكي تخدم من معك وتيسر لهم السير إلى تحقيق الأهداف، فلابد أن تؤثر الآخرين وأن تتخذ قرارات مفيدة لهم ولا تضرهم، وكن صاحب رؤية متكاملة مع المكان الذي تنتمي إليه ومع المجتمع الذي يحيط بك حتى تقود فريقك إلى تحقيق الأهداف، فهذا مدخل قيادة الخادم لجرين ليف حيث قال ( توهب القيادة لشخص خادم بطبعه فهو يركز على حاجات أتباعه ويساعدهم لكي يصبحوا أكثر معرفة وحرية واستقلالا وعندما يصبح القائد خادماً فإنه يستخدم القوة المؤسساتية للسيطرة بشكل أقل حين يقوم بنقل السلطة إلى الأتباع ) .
فقيادة الخادم تثمن مشاركة كل واحد في الحياة الاجتماعية حيث تتم في مجتمع يشعر فيه بالاحترام والثقة والقوة الفردية الكاملة.
المبدأ الثالث ( إظهار العدل )
أيها القائد .. تعامل مع الآخرين بالمساواة واجعل العدل هو محور قراراتك، فاعدل بين أتباعك فلا يكون هناك معاملات لأشخاص دون غيرهم إلا إذا استدعى الأمر فيكون في أضيق الحدود ويكون على أسس واضحة وقيم سليمة .
المبدأ الرابع ( التحلي بالصدق )
تحلَّ بالصدق مع أتباعك حتى لا تتلاشى قيادتك، فإذا كذب القائد فإنه يضلل الواقع والحقائق، وإذا عرف أتباعه بكذبه فإن احترامهم له سوف يقل ويتلاشى، وإذا قل احترامهم له فلن يكون له تأثير قيادي لهم، فأحرص كل الحرص أيها القائد على الصدق في القول والمعاملة .
المبدأ الخامس ( بناء المجتمع )
اجعل لك هدفا مشتركا أنت وأتباعك لخدمة المجتمع الذي تنتمون إليه، واهتم بأهداف الجميع داخل المجموعة حتى ينتقل التأثير إلى المجتمع، واحرص دائما على الفضيلة المدنية بحيث تكون الأهداف المتبادلة بينك وبين الآخرين متزامنة مع أهداف المجموعة والمجتمع، فأنت وضعت لبناء هذا المجتمع ولن تبنيه إلا إذا قدت أتباعك إلى ذلك بفضل قيادتك الأخلاقية .
وأخيرا أخي القائد قيادتك الأخلاقية ليست قاصرة على المؤسسة التي تعمل بها فقط؛ بل تكون في بيتك وعملك ومجتمعك فكن قائداً ذا أخلاق عالية.