أتأمل القمر جمالا ونورا منذ إطلالة هلاله حتى اكتماله .
أتأمل ساعة الكون التي سخرها الله لسكان الأرض ليعلموا عدد السنين والحساب، وفي كل ليلة أتأمل هذه الآية العظيمة تمتلكني الدهشة ذاتها ثم يستوقفني تسارع الزمان وكيف تتسرب من بين أصابعنا أيامه ولياليه لا سيما لحظاته الجميلة .
“وعيشا كأني كنت أقطعه وثبا“
ذلك الأمس نقف طويلا على عتباته متحسرين على فواته، والزمن لا يتوقف يمضي ليعمق تلك الهوة بيننا، ولكن ألم يكن الأمس هو يومنا الذي نحن فيه ؟! ويومنا الذي نحن فيه الآن هو مفتاح لباب الغد .
ألا ترى أن يومنا هذا هو حاضرنا المتحكم في الماضي والمستقبل ، ( كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) .
ما مضى فات والمؤمّلُ غيبٌ .. ولك الساعة التي أنتَ فيها
لك يومك الذي أنت فيه ولك أن ترسل هذا اليوم إلى أيامك الماضية رصيد إنجاز تفخر به وركيزة تعتمد عليها في المستقبل، قَالَ ابنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يومٍ غَرَبَتْ شَمْسُه، نقصَ فيه أجلِي ولم يَزِدْ فيه عَمَلِي، وكان أبو إسحاق الصابي يقول: مارست الكتابة ستين سنة، فلم يحضرني في الدعاء أحسن وأوجز وأجمع من قولي: جعل الله أيامك مطاياك إلى آمالك .
لذا فإن أنجح ما يكون أن نجعل أيامنا مطايا توصلنا لآمالنا، بالعمل الجاد والعزم على تحقيق المراد، فاليوم هو زمن البذر وغدا يوم الحصاد .
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً .. ندمت على التفريط في زمن البذر
تلك الأمنيات ستبقى كما هي لوحة جميلة بإطار فاخر معلقة على جدار أفكارنا ما لم نبعث فيها روح العزيمة والإصرار لتتحقق، نستيقظ لنصافح نور الفجر، نتنفس الصبح ملء صدورنا أملا وتفاؤلا بالكريم المنعم .
نسأله خير هذا اليوم وخير ما بعده، خير حاضرنا ومستقبلنا، نمشي في مناكب الأرض مكللين ببركة الله، (اللهم بارك لأمتي في بكورها)، فمن وفق للعمل في أوقات البركة والأجور المضاعفة ومواسم الخير، التي من الله بها علينا، من اهتدى إليها واغتنمها فقد أوتي خيرا كثيرا .
قال سعيد بن جبير رحمه الله: كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة، ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (إذا أراد الله بالعبد خيرا أعانه بالوقت، وجعل وقته مساعدا له، وإذا أراد به شرا: جعل وقته عليه)
ولما سمع عمر رضي الله عنه حديث نبينا محمد صلي الله عليه وسلم عن فضل يوم الجمعة (فِيه سَاعَةٌ لا يُوَافِقها عَبْدٌ مُسلِمٌ، وَهُو قَائِمٌ يُصَلِّي يسأَلُ اللَّه شَيْئًا، إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاه)، استدرك قائلا: (إنّ طلبَ حاجةٍ في يوم ليسير) .
وها نحن في شهر رمضان شهر الخيرات والرحمات والهبات من مالك الملك رب الأرض والسموات، شهر فضيل ذهب أوله وبقي آخره وأفضله، وكان نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشدَّ المئزر كما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
نتحرى فيه ليلة خير من ألف شهر من وافقها وأحياها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، و لنستحضر همة عمر رضي الله عنه ونقول : إن طلب حاجة في ليلة ليسير .
همة وعزم تدرك شرف الزمان وقيمته فلا تفوت منه لحظة دون اغتنامها ، ورب حاجة أدركت بعد طول انتظار أذن الله بقضائها ساعة رضا واستجابة، وكم لنا من الحوائج وكم لنا من الأمنيات.