القدرات: حلم مؤجل خلف أسوار الجامعة.. هل تُنصف اختبارات القدرات أبناءنا؟

بعد 12 عامًا من الجد والاجتهاد، وسهر أسر كاملة على متابعة أبنائها، يصل الطالب إلى المرحلة الأخيرة من التعليم العام محمّلًا بالأحلام. يتخيل مقعده الجامعي، مساره المستقبلي، وخطواته نحو تحقيق ذاته. لكن هذا الحلم كثيرًا ما يتعثر عند بوابة اختبار القدرات، فيتحول من جسر للجامعة إلى عقبة نفسية واجتماعية. فهل من الإنصاف أن يُختزل مستقبل الطالب في اختبار قصير، لا يراعي ظروفه الفردية ولا بيئته الاجتماعية؟

 

مأساة صامتة يعيشها الطلاب والأسر

نفسيًا: أظهرت دراسة لجامعة الملك سعود (2022) أن أكثر من 60% من طلاب المرحلة الثانوية يعانون من قلق واكتئاب بسبب ضغوط الاختبارات المعيارية.

اجتماعيًا: الفوارق الطبقية واضحة؛ بعض الأسر تنفق آلاف الريالات على مراكز تدريب خاصة، بينما يعجز آخرون عن ذلك.
أسريًا: البيوت تتحول إلى ساحات توتر، كأن مستقبل الأسرة بأكملها مرتبط بدرجة اختبار واحد.

 

تساؤلات عادلة تحتاج إجابة

هل أُعدت أسئلة القدرات لتراعي الفروق الفردية، وظروف الطلاب الصحية والاجتماعية؟

هل الهدف الحقيقي هو قياس مهارات التفكير والإبداع، أم مجرد تصفية عددية بسبب محدودية المقاعد الجامعية؟

ألا يحق لطالب متوسط الذكاء، أو من مرّ بظروف قاهرة، أن يُعطى فرصة أخرى لإثبات ذاته بعيدًا عن ورقة اختبار؟
تجارب عالمية تقدم بدائل منصفة

فنلندا: لا تعتمد على اختبارات معيارية قاسية، بل على معدل الثانوية، المقابلات الشخصية، والأنشطة.

كندا: تُقيّم الجامعات الطالب كشخص متكامل عبر السجل الأكاديمي، العمل التطوعي، والأنشطة اللاصفية.

الولايات المتحدة: بدأت جامعات كبرى مثل Harvard وMIT التخفيف من اعتمادها على SAT وACT، بعد انتقادات بأنها لا تعكس قدرات الطالب الحقيقية وتكرس التمييز الطبقي.

حلول عملية لإنصاف الطلاب

1. الإعداد المبكر: دمج تدريبات التفكير وحل المشكلات في المناهج منذ الابتدائية.
2. معايير متنوعة للقبول: اعتماد العمل التطوعي، الأنشطة المجتمعية، والإبداع العلمي والفني ضمن التقييم.

3. فرص بديلة: مسارات تقنية ودبلومات تخصصية تسمح بإعادة المحاولة.
4. دعم نفسي: مراكز إرشاد جامعية ومدرسية لتقليل القلق والتوتر.

5. زيادة الطاقة الاستيعابية للجامعات: لتقليل الاعتماد على التصفية عبر اختبار القدرات وحده.

 

 

أبناؤنا ليسوا مجرد أرقام على ورقة اختبار؛ إنهم أحلام تُبنى وطموحات تنتظر أن تجد طريقها. الجامعة يجب أن تكون بداية الحلم، لا مقبرته. والعدل يقتضي أن تُفتح أبوابها بمعايير متعددة تراعي الإنسان بظروفه ومواهبه، لا أن تُغلق في وجهه بسبب اختبار لم يُنصفه.

 

إن أصوات الطلاب والأسر اليوم لا تطالب بإلغاء التقييم، بل بإصلاحه وجعله أكثر عدلًا وإنسانية، أسوة بتجارب عالمية أثبتت نجاحها.
فهل نرى غدًا قريبًا نظام قبول يحتضن الطاقات بدل أن يقصيها؟

Loading

الكاتب: سلوى بنت راشد الجهني