لا يخفى علينا أن منزلة الشاعر منزلة رفيعة في الثقافة العربية، وكان الشاعر يقوم بأدوارٍ كبيرة لا يقوم بها شيخ القبيلة، فهو لسانهم الذي يتحدث عنهم في السلم والحرب والنزاع والصلح، وغير ذلك من المناسبات، هذا ما وثّقته كتب التاريخ والأدب.
وكانت القبائل العربية تحتفي ببزوغ شاعر فيها، وجاء الإسلام وعزّز هذه المكانة للشعراء بيد أنه أحاطها بأحكامه الشرعية، واستمرت هذه المكانة للشعراء عبر العصور إلا أنها تضعف حينا وتقوى حينا آخر، ولكنّ هذا لا يلغي أن الشاعر عليه مسؤولية كبيرة تجاه مجتمعه وأمّته.
وما زالت كثير من القبائل العربية في حياتها الاجتماعية تقدم شعراءها متحدثين عنهم وإن كان الغالب في ذلك أنهم ينشدون الشعر باللهجة العامية أو ما يعرف بـ (الشعر النبطي)، ولكن هذا اعترافٌ ضمني بمكانة الشاعر التي لم تهمّش رغم كل الظروف والمتغيرات.
ومن أهم ما يقع على الشاعر العربي هو تعزيز الهُويّة اللغوية وانتماء أفرادها إليها انتماء حقيقيا لا لمجرد الشعارات التي يخالفها السلوك، أو يكون ذلك محصوراً بمناسبات معيّنة كاليوم العالمي للغة العربية ثم ينتهي بعدها كل شيء.
لست هنا بصدد إلقاء العبء كاملاً على عاتق الشعراء، بل كل عربي ومسلم عليه مسؤولية في تعزيز الهوية اللغوية والانتماء إليها، كلٌّ في ميدانه، ولكن الشاعر غالبا يتاح له ما لا يتاح لغيره، وما زال الناس يتأثّرون بالشعر قراءةً وسماعاً أكثر من أي شيء آخر، ولا أقصد هنا أن ينسج الشعراء قصائد تمجّد اللغة العربية وما شابه ذلك، بل هذا جزء يسير جدا مما يجب فعله من قِبَل الشعراء، ولكن المقصود علاوةً على ذلك أن ينشدوا الشعر مبرزين جمال هذه اللغة العربية وخصائصها التي لا توجد في غيرها، بطرائق لا تخفى على أهلها، والميدان مفتوح لابتكار طرائق جديدة تواكب مستجدات العصر الحديث .
وهنا لا بد أن نعترف أن الطريقة التقليدية لتقديم الشعر التي تتمثل في الأمسيات الشعرية لم تعد مواكبةً لمتغيرات الحياة وطرائق تفكير المتلقّين، فمع دخول البرامج الالكترونية وتجددها المتسارع يجب على أهل الاختصاص أفراداً ومؤسسات أن يفكروا بطريقة مختلفة تمكّنهم من جذب أبناء هذه اللغة إليها وتعزيز انتمائهم لها ونسخ الصورة القاتمة التي حالت بين اللغة وأهلها حتى زادت الفجوة بينهما، وكلما تأخرنا في المبادرة صعب الأمر علينا وزادت التكاليف.