للنّفع المتعدّي أثر ظاهر في التّفاضل بين الأعمال، وفي عالمنا المتشابك، يبرز مفهوم النّفع المتعدي كأحد أهم الرّكائز الّتي تدفع عجلة التّقدم والتّنمية. هذا النّفع الّذي يتجاوز حدود الفرد ليصل إلى آفاق أوسع في المجتمع، يتجلّى في صور شتّى، لكنّ أعظمها وأكثرها أثرًا هو نفع العلوم. ومن بين العلوم كافّة، يقف تعليم اللّغة العربيّة شامخًا كمنارة للنّفع المتعدّي، يشعّ نوره ليضيء دروب الأجيال.
إنّ بعض أنواع النّفع المتعدّي تمتلك خاصّيّة فريدة، إذ تتكاثر وتتضاعف بمرور الزّمن. فلنتأمّل مثلاً في تعليم طفل صغير سورة الفاتحة. هذا العمل اليسير في ظاهره يحمل في طياته بذور نفع لا ينقطع. فالطّفل الذي يتعلّم الفاتحة، ويفهم معانيها، ويتأمّل في دلالاتها، سيرددها آلاف المرّات في حياته. وإذا قام هو بدوره فيما بعد بتعليمها لعشرة آخرين فقط، فكم سيكون حجم الأجر المتراكم للمعلّم الأول، ولمن علّمه، وهكذا في سلسلة لا تنتهي من الخير المتنامي.
ولنقارن بين حالين لشخص واحد: في الأولى لا يعرف من العربيّة شيئًا، وفي الثّانية يتقن الحديث بها والاستماع إليها وقراءتها وفهمها. كم سيكون الفرق هائلاً في قدرته على فهم القرآن الكريم وتدبره! في الحال الأولى، سيكون فهمه سطحيًا، محدودًا بترجمات قد لا تنقل عمق المعاني وجمال الأسلوب. أما في الحال الثّانية، فسيغوص في بحر المعاني، مستشعرًا جمال النّظم القرآنيّ، متأثّرًا بكل آية تمسّ شغاف قلبه. هذا الأثر القلبيّ العميق سينعكس حتمًا على سلوكه وتعاملاته، ليصبح نورًا يمشي به في النّاس.
إن تعليم العربيّة لا يقتصر نفعه على الجانب الدّينيّ فحسب، بل يفتح أبوابًا واسعة في شتّى المجالات. فهو مفتاح لفهم تراث أمّة بأكملها، وبوابة للتّواصل مع ملايين من الناطقين بها حول العالم. يفتح آفاقًا في الأدب والشعر والعلوم، ويمكّن متعلّمها من الاطلاع على كنوز المعرفة التي خلّفها علماء الأمّة عبر القرون.
ومع ذلك، نجد بعض من أكرمهم الله بالعلم بالعربيّة يزهدون في هذا النّفع العظيم؛ ربما لانشغالهم بأمور أخرى، أو لعدم إدراكهم لحجم الأثر الّذي يمكن أن يُحدثوه. وهنا يأتي النّداء: هلّموا يا أهل العربية إلى الخير العميم! فإنّ في نشر لغة الضّاد خيرًا كثيرًا، ونفعًا متعدّيًا يتجاوز حدود الزّمان والمكان.
إنّ تعليم العربية ليس مجرد نقل لمعلومات لغويّة، بل هو إحياء لأمّة، وحفظ لهويّة، ومدّ لجسور التّواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل. فلنسعَ جميعًا لنشر هذا الخير، ولنكن جزءًا من سلسلة النّفع المتعدّي الّتي تضيء العقول وتنير القلوب، عبر الأجيال والقارّات.